إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة حينما نعيش للآخرين وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النّهاية -سيّد قطب.
كلمات كانت ستظل حبراً على ورق لولا أنّ قائلها عاش لمبادئ الحق ودفع حياته ثمناً لها، إن طعم الحياة لا يروق إلّا لمن جعلها هبة خالصة لخالقها، ولكي نشعر بقيمة الحياة وجمالها ومعناها لابد لنا من المرور عبر قنواتها اللازمة، بحلوها ومرّها، وأن يكون مرورنا فاعلاً متفاعلاً مع معطياتها وطوارئها ومشاقّها ومباهجها.
وكيف نحسّ بطعم الحياة ولم نتشارك في العبودية الحقّة فيها مع بقيّة الخلق الذين خلقوا لنفس الغاية التي خلقنا لأجلها {وما خلقت الجنّ والإنس إلّا ليعبدون} [الذاريات:56].
إنّها العبادة الخالصة والإنابة التامّة والطاعة المطلقة للخالق العظيم الذي خلق الخلق وأوضح الغاية وبيّن الوسيلة وحدّد الوجهة وأطلق العقول من قماقمها وحرّر القلوب من إقفالها فصارت الحياة بتفاعلاتها وإبداعاتها وإنطلاقتها وإيجابياتها هي العبادة.
وغدا إعمار الأرض وإقامة العدل فيها هو العبادة المراقبة من المعبود {فينظر كيف تعملون} [الأعراف:129] ولأنّ الخلق عيال الله فإن نفعهم عبادة، والسعي في حاجتهم قربة، والعمل على هدايتهم واجب، والجهاد لرفع الظلم عنهم فريضة، والموت في سبيل نشر الملة السمحاء بينهم ودفع الظالم عنهم وإقامة شرع الله العادل فيهم شهادة في سبيل الله تضاعف الحياة وتباركها وتنقّي النفس من الذنوب وتطهرها.
فالنفوس التي تسارع إلى الموت لأجل دينها ولدفع الضرر عن إخوتها في الدين أجل عند بارئها وأرفع من أن تصير إلى ما صارت إليه النّفوس القاعدة بلا همّة ولاعطاء.
نفوس الباذلين ترتقي إلى منازل الخالدين المستبشرين الفرحين أولئك الذين حرصوا على الموت فوهبت لهم الحياة الأبدية والخلود المقيم في جنّات الفردوس ترزق وتحيا وتستبشر، فهي والله الحياة المضاعفة، والنّعيم المقيم.
ولكي نصل إلى أرقى مستويات الإنسانية فإنّه ينبغي علينا أن ننطلق من فكرتنا العظيمة وهي إخراج النّاس من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد، وهي الفكرة والغاية التي تتمحور حولها دعوة الله وشرعته.
وهي ذاتها الفكرة التي حمّل أمانة تبليغها كافة أنبياء الله عليهم صلوات الله وسلامه، وهي كذلك الإرث النبوي الذي حملته امة محمد صلى الله عليه وسلّم إلى الناس كافّة إنّها الرسالة والفكرة والإرث والفريضة المسؤولة عنها الأمة في الدنيا والآخرة.
ألسنا الذين خوطبنا بالخيرية وحمّلنا أمانة التبيين للنّاس، فإذا كانت الحياة الفانية هي الثمن الذي ندفعه في سبيل الإرتقاء بالإنسانية من مهاوي الشرك والعبودية إلى فضاءات التوحيد والعبادة الحقّة بما يحقق للبشرية الخير والصلاح فإنها والله ثمن قليل للخلود الرضيّ والحياة الممتدة في جوار الحيّ الذي لا يموت.
اللهم إستعملنا ولا تستبدلنا ورضّنا وإرض عنّا يا رب العالمين.
الكاتب: رقية القضاة.
المصدر: موقع ياله من دين.